أكد تقرير أصدرته مؤسسة دبي للمستقبل بالتعاون مع وزارة الطاقة والبنية التحتية ووزارة التغير المناخي والبيئة وهيئة كهرباء ومياه دبي، بعنوان “الهيدروجين من الخيال إلى الحقيقة“، أهمية إعداد استراتيجيات مستقبلية متكاملة في دولة الإمارات لإنتاج طاقة الهيدروجين وتخزينها واستخدامها بما يعود بأثر إيجابي على زيادة نسبة إنتاج الطاقة النظيفة والمتجددة، وتقليل انبعاثات الكربون في الصناعات الثقيلة، ودعم قطاعات النقل والطيران والشحن البحري وغيرها من القطاعات التي تتطلب استهلاك الكثير من الطاقة.
واستعرض التقرير أبرز التوجهات المحلية والإقليمية والعالمية في إنتاج واستهلاك الطاقة، وأهم التقنيات الحديثة التي يتم تطويرها وتوظيفها في مجال إنتاج الهيدروجين وتعزيز كفاءته واستدامة استخداماته المتنوعة في مختلف المجالات، وسبل تشجيع مستهلكي الطاقة على إتباع طرق جديدة تغير من نظرتهم التقليدية في مجال الطاقة.
كما تطرق التقرير إلى أبرز الإمكانات الواعدة التي يوفرها غاز الهيدروجين كونه مصدراً مستداماً لإنتاج الطاقة، وأهم تطبيقاته الحالية والمستقبلية، وطرق إنتاجه وتخزينه واستخدامه، إضافة إلى تأثيراته الإيجابية في الحفاظ على البيئة والتقليل من مخاطر التغير المناخي في ظل الزيادة الملحوظة في الطلب على الهيدروجين خلال السنوات الأخيرة.
وتم استعراض مخرجات التقرير خلال جلسة حوارية استضافتها مؤسسة دبي للمستقبل بحضور ممثلين عن وزارة الطاقة والبنية التحتية، ووزارة التغير المناخي، والبيئة وهيئة كهرباء ومياه دبي، ومؤسسة دبي للمستقبل، وجامعة خليفة وشركة سيمنز العالمية.
سهيل المزروعي: الإمارات من الدول الرائدة في تطوير قطاع الطاقة المتجددة والنظيفة
وأكد معالي سهيل بن محمد فرج فارس المزروعي، أن دولة الإمارات تعد من الدول الرائدة في تطوير قطاع الطاقة المتجددة والنظيفة، والسباقة في ابتكار طرق وأساليب حديثة لتعزيز كفاءة قطاع الطاقة وإيجاد حلول بديلة عن الطاقة التقليدية بما يدعم التنمية المستدامة، وتأكيداً على ذلك فقد أطلقت استراتيجية الإمارات للطاقة 2050 التي تستهدف مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية.
وقال معاليه: “طاقة الهيدروجين تشكل أحد سبل تحقيق التنمية المستدامة في دولة الإمارات، في ظل إمكانية إنتاجها من المصادر المتوفرة والتقليدية مثل النفط والغاز أو من المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية، والرياح، إضافة إلى الطاقة الحرارية لباطن الأرض، والمصادر العضوية، فيما يعد إنتاج الهيدروجين من مصادر الوقود الأحفوري في منطقتنا حالياً الأكثر تنافسية من حيث التكلفة التي تبلغ 1.5 دولار للكيلوغرام، مضيفاً:” تمكنت الإمارات خلال فترة قياسية من التوسع في مجال الطاقة النظيفة بفضل التشريعات والقوانين التي واكبت التطورات الحالية والتحديات المستقبلية، ووضع أهداف طموحة للمستقبل”.
مريم المهيري: الإمارات سباقة عالمياً في توظيف تقنيات الهيدروجين كمصدر للطاقة النظيفة
ومن جهتها قالت معالي مريم بنت محمد سعيد حارب المهيري وزيرة التغير المناخي والبيئة: “إن نشر واستخدام حلول الطاقة النظيفة يمثل أحد اهم ركائز العمل المناخي العالمي، حيث يساهم في تقليل معدلات انبعاثات غازات الدفيئة بوتيرة متسارعة تعزيز الوصول للحياد المناخي”، مشيرة إلى أن التطور التقني ساهم في إيجاد العديد من مصادر الطاقة النظيفة، وتمثل استخدامات الهيدروجين أحد أهم الحلول الابتكارية في هذا المجال.
وأشارت إلى أن دولة الإمارات وعبر إطلاقها لبرامج ومشروعات متخصصة لإنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر، باتت من الدول السباقة عالمياً في توظيف تقنيات هذا المصدر المهم والمستقبلي.
سعيد الطاير: الهيدروجين الأخضر يمثل أحد ركائز المستقبل المستدام
وقال معالي سعيد محمد الطاير العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي: “يمثل الهيدروجين الأخضر أحد ركائز مستقبل مستدام يعتمد على تسريع الانتقال إلى الحياد الكربوني لدعم الاقتصاد الأخضر. ويشهد العالم اليوم اهتماماً متزايداً بالاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، التي ستغير مشهد الطاقة العالمي في السنوات القادمة، لا سيما بالنسبة للدول التي تتطلع إلى تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي في أعقاب جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، من خلال التحول التدريجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى مصادر للطاقة صديقة للبيئة ومنخفضة التكلفة نسبياً ومنها الهيدروجين الذي يسميه البعض وقود المستقبل.
وأضاف: “يعد إنتاج الهيدروجين الأخضر جزءاً من جهود هيئة كهرباء ومياه دبي لدعم استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050 لتوفير 75% من القدرة الإنتاجية للطاقة من مصادر الطاقة النظيفة بحلول العام 2050. ويعتبر مشروع الهيدروجين الأخضر، الذي تم تنفيذه بالتعاون بين هيئة كهرباء ومياه دبي وإكسبو 2020 دبي وسيمنس للطاقة، في مركز البحوث والتطوير التابع للهيئة في مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، المشروع الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقة الشمسية، وتم تصميم وبناء المحطة لتكون قادرة على استيعاب التطبيقات المستقبلية. ويسهم هذا المشروع في تمهيد الطريق لبناء اقتصاد أخضر قائم على مصادر الطاقة النظيفة.”
خلفان بلهول: يجب تطوير ممارسات مبتكرة لإنتاج الطاقة من مصادر بديلة ومستدامة
وأكد خلفان جمعة بلهول الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، أهمية استشراف أحدث التوجهات العالمية في قطاع الطاقة وتطوير ممارسات مبتكرة لإنتاج الطاقة من مصادر بديلة ومستدامة بما يسهم بتعزيز مكانة دولة الإمارات وريادتها في مجال توظيف التكنولوجيا الحديثة وخاصةً في مجال توليد الطاقة النظيفة والمساهمة في الحد من الانبعاثات الكربونية والتغير المناخي.
وأشار إلى أن إطلاق هذا التقرير يجسد حرص المؤسسة على التعاون مع كافة الجهات الحكومية والخاصة المعنية بقطاع الطاقة في دولة الإمارات لرسم ملامح مستقبل هذا القطاع، ودراسة تحدياته وفرصه الواعدة، ومواكبة التغيرات العالمية المتسارعة، وتلبية الطلب المتزايد لمختلف القطاعات الاقتصادية والصناعية للطاقة النظيفة والمستدامة، وتبني أحدث التقنيات العالمية في إنتاج وتخزين ونقل الطاقة، ودعم الأفكار المبتكرة القائمة على توظيف التكنولوجيا بما يسهم بدعم المجالات التنموية الرئيسية والتخطيط الصحيح لاستراتيجيات التنويع الاقتصادي.
قطاع واعد
وأشار التقرير إلى أهمية الفوائد الاقتصادية لبناء سوق تصدير قوي للهيدروجين المنتج محلياً في الدولة، من خلال اتباع استراتيجية تطوير قطاع التصدير “المُنتج والمركز”، والتي يمكن أن تسهم بما يصل إلى 32 مليار درهم إماراتي سنوياً إلى الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي بحلول عام 2050، وأن توفر أكثر من 120.000 وظيفة خلال العقود الثلاثة المقبلة، إضافة إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يعادل 84 يوم سنوياً من إنتاج النفط الخام في الإمارات بحلول عام 2050.
مستقبل الطاقة البديلة في الإمارات
وتطرق التقرير إلى جهود دولة الإمارات لتنويع مصادر الطاقة خلال الخمسين عاماً المقبلة والتحول بشكل كامل إلى المصادر المستدامة مثل الطاقة النووية والشمسية وغاز الهيدروجين وغيرها من موارد الطاقة المتجددة. ويعتبر الهيدروجين خياراً مناسباً لقطاع إنتاج وتخزين الطاقة في دولة الإمارات بسبب معايير الاعتمادية والاستقرار اللذين تفتقر إليهما مصادر الطاقة المتجدّدة الأخرى، حيث تتسم مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على سبيل المثال بطبيعتها المتقطعة.
وذكر التقرير أنه من المرجّح أن تكون دولة الإمارات، وتحديداً مجمع محمّد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسيّة في دُبي، موطناً لأوّل مشروع هيدروجين أخضر يعمل بالطاقة الشمسية في المنطقة، وبدأت هيئة كهرباء ومياه دبي تشغيله فعلاً في مايو 2021. وتشمل مبادرات دولة الإمارات الأخرى خطط شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) لتوسيع إنتاج الهيدروجين، كما تخطط شركة مبادلة أيضاً لتسريع توظيف تطبيقات الهيدروجين الأخضر في أبوظبي بالتعاون مع سيمنز.
توصيات وحلول مقترحة
وأوصى تقرير “الهيدروجين من الخيال إلى الحقيقة” بمجموعة من الإجراءات التي يمكن للجهات الحكومية الاتحادية والمحلية القيام بها عبر دراسة مجالات الاستخدام المستقبلية، بما في ذلك الوقود الاصطناعي الأخضر القائم على الهيدروجين مما يقلل بشكل كبير من التأثير البيئي لمركبات النقل البري والطائرات والسفن، تطوير نماذج أولية تبرهن القدرة على التغلب على التحديات، مثل النماذج الأولية لمكهرلات (أو المحللات الكهربائية) مياه البحر للتغلب على تحدي ندرة المياه العذبة.
كما دعا التقرير إلى دراسة إمكانية تطوير شبكة أنابيب تربط دول مجلس التعاون الخليجي بأوروبا وشرق آسيا لتصدير الهيدروجين، ودراسة جدواها الاقتصادية، حيث تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي القدرة على إنتاج الهيدروجين الأخضر والأزرق والأصفر (المنتج بالطاقة النووية) على نطاق واسع، مع قدرة كبيرة على تصدير الهيدروجين النظيف إلى البلدان التي تفتقر إلى الموارد المطلوبة.
وأكد التقرير أهمية مواءمة خطط واستراتيجيات الجهات الحكومية في دولة الإمارات لإدارة وتنسيق إنتاج وتوريد الهيدروجين الأزرق والأخضر، وتوزيع الموارد بشكل فعالي على المستوى الوطني، إضافة إلى تقديم حوافز مالية لمنتجي الهيدروجين بما يسهم بتسريع تطوير اقتصاد الهيدروجين المستقبلي في الدولة، ودعم قطاع الأبحاث والتطوير والابتكار وتسهيل فرص التعاون بين أصحاب المصلحة من القطاعين الحكومي والخاص.
استخدامات الهيدروجين
وصنف التقرير مجالات استخدام الهيدروجين ضمن فئتَين رئيسيتين، حيث يُستخدم الهيدروجين لإنتاج الأمونيا والميثانول بعملية التركيب الكيميائي، ويستخدم أيضًا في مصافي النفط لخفض محتوى الكبريت في الوقود. ويتم استخدام 55% من الإنتاج العالمي للهيدروجين في صناعة الأمونيا. و25% في مصافي النفط، ونحو 10% في إنتاج الميثانول، وتبقى نسبة 10% للاستخدامات الأخرى.
ويمثل تكرير النفط أحد أكبر استخدامات الهيدروجين اليوم، وهو عملية تحويل النفط الخام إلى منتجات مختلفة تناسب احتياجات المستخدم مثل وقود النقل والمواد الأوّلية البتروكيماوية. ويستخدم الهيدروجين في المعالجة المائية التي تزيل الشوائب مثل الكبريت من النفط، وستزداد أهمية هذا الاستخدام بسبب التشديد على القوانين الخاصّة بمحتوى الكبريت.
تصنيفات إنتاج الهيدروجين
واستعرض التقرير أبرز الطرق المستخدمة في إنتاج الهيدروجين، ويشار إلى كلّ طريقة بلون مميز يمثّل عملية الإنتاج. ويُنتج معظم الهيدروجين اليوم من خلال إعادة تشكيل أنواع الوقود الأحفوري، وهي عملية تنتج تفاعلً بين الغاز الطبيعي وبخار الماء وتنتج “الهيدروجين الرمادي”. وقد تقترن تلك العملية باحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، فيحتجز ثاني أكسيد الكربون الناتج فيستخدم أو يخزن تحت الأرض. ويسمى الهيدروجين الناتج عن هذه الطريقة “الهيدروجين الأزرق”. وحين يُنتج الهيدروجين بالتحليل الكهربائي بالاعتماد على طاقة المصادر المتجدّدة، يسمى “الهيدروجين الأخضر”. ويطلق “الهيدروجين الأصفر” على الهيدروجين المستخرج من المياه باستخدام التحليل الكهربائي، على غرار الهيدروجين الأخضر. ويمثل مصدر الكهرباء المستخدم في التحليل الكهربائي الفرق الوحيد بينهما، فالهيدروجين الأصفر يعتمد على الطاقة النووية بدلاً من مصادر الطاقة المتجدّدة.