الانعزال في المنزل فرض ضرورة إيجاد التوازن بين العمل وشؤون الأسرة
مساعدة المُسنين وأصحاب الهمم أولوية للمحافظة على سلامتهم
التوجه الكبير إلى الاتصالات الرقمية عزز إمكانيات التفاعل الاجتماعي المستقبلي
أطلقت مؤسسة دبي للمستقبل تقريراً جديداً بعنوان تقرير “الحياة بعد كوفيد-19: مستقبل المجتمع” لتسليط الضوء على تأثير التباعد الاجتماعي على المجتمعات والصحة النفسية للأفراد، ونتائج إغلاق النشاطات على أنماط الحياة العائلية، ومعادلة التوازن بين الحياة الاجتماعية والعمل.
ويقدم التقرير الذي تم إطلاقه ضمن سلسة تقارير المؤسسة لاستشراف مستقبل القطاعات الحيوية على مستوى دولة الإمارات والعالم العربي بعد انتهاء أزمة كوفيد-19، توصيات بشأن مساعدة المُسنين وأصحاب الهمم للمحافظة على سلامتهم وأمنهم المجتمعي بصفتهم أكثر فئات المجتمع عرضة للخطر.
آثار التباعد الاجتماعي
يعتبر التزام التباعد الاجتماعي –أو بتعبير أدق التباعد الجسدي– الإجراء الأنجح في معظم دول العالم في ظل عدم وجود لقاح أو علاج لمرض كوفيد-19 حتى الآن، فتوقفت كافة النشاطات التي تتطلب التجمعات أو تسمح بها. وأصبحت مواصلة النشاط التجاري والعمل والدراسة تعتمد على استخدام شبكة الإنترنت ما أدى إلى ازدياد مفاجئ في عدد مستخدمي منصات اجتماعات الفيديو.
ويشير التقرير إلى أن عدد المستخدمين النشطين لتطبيق “زووم” بلغ 2.22 مليون شخص شهرياً خلال الأشهر القليلة الماضية، أي أكثر من إجمالي مستخدِميه في العام 2019 كله، وأن هذا النوع من المنصات أصبح يستخدم حتى في المناسبات الاجتماعية، مثل حفلات أعياد الميلاد والفعاليات وإنشاء المحتوى والموسيقى ونشرها على الشبكة.
تغيرات اجتماعية واضحة
لكن الانعزال في المنزل غيّر نمط الحياة الأسرية بشكل واضح، وفرض على العائلة ضرورة إيجاد توازن جديد بين العمل وشؤون الأسرة فضلاً عن مساعدة الأولاد على الدراسة من المنزل. ومع أن كثير من الأزواج استغلوا ذلك في تعزيز علاقاتهم، إلا أنه أدى أيضاً إلى ارتفاع معدلات المشكلات الأسرية ومعدلات الطلاق في بعض المجتمعات. وقالت دوبرافكا سيمونوفيتش مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة إنه من المرجح جداً أن تزيد معدلات العنف المنزلي وفق تقارير الشرطة الأولية وخطوط الإبلاغ الساخنة في عدة دول، لأن إجراءات الطوارئ اللازمة لمكافحة كـوفيد-19 تزيد أعباء النساء في العمل المنزلي ورعاية الأطفال والأقارب المسنين وأفراد الأسرة المرضى.
وأشار التقرير إلى أن دعاوى العنف المنزلي ساهم بتشجيع بعض الحكومات على تخصيص خطوط هاتفية لمساعدة ضحايا العنف المنزلي، أو وتأمين غرف فندقية تتحمل الجهات الحكومية تكاليفها. ورغم أن انعزال المُسنين وأصحاب الهمم يقيهم أكثر من الإصابة بجائحة كوفيد-19، إلا أن ذلك أدى إلى ازدياد المخاوف من مشكلات صحية أخرى، مثل ازدياد خطورة أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض المناعة الذاتية.
التواصل الاجتماعي يعوض التباعد الجسدي
يرى التقرير أن التوجه الكبير إلى الاتصالات الرقمية بسبب الجائحة عزز إمكانيات التفاعل الاجتماعي المستقبلي، ففي جميع أنحاء الوطن العربي ازداد تواصُل الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، مثل “واتساب” و”تيك توك”، وجر توظيف هذه المنصات في مكافحة المعلومات المضلِّلة مثل استخدام منظمة اليونيسيف منصة “تيك توك” لتقديم معلومات موثوق بها عن جائحة كوفيد-19 في المنطقة.
كما استخدمت منظمة الصحة العالمية خدمة الدردشة التفاعلية عبر تطبيق «فيسبوك ماسنجر» لمواجهة المعلومات الخاطئة بشأن فيروس كورونا، وتتوقع المنظمة أن يستفيد نحو 2.4 مليار شخص من هذه المعلومات. وقالت المنظمة إن في المناطق الأكثر تضرراً من فيروس كورونا، شهدت زيادة في استخدام الرسائل عبر منصات التواصل الاجتماعي بأكثر من 50 في المائة.
وبيّن التقرير أيضاً أن العديد من الأخصائيين النفسيين في المنطقة والعالم يقبلون على إنشاء مجموعات دعم نفسي افتراضية مجانية، ما أتاح حيّزًا يتشارك فيه الناس في مخاوفهم واهتماماتهم.
أولويات مجتمعية
وأشار التقرير إلى ضرورة إجراء مناقشات أوسع عن كيفية مخاطبة جميع أفراد المجتمع وحمايتهم كلهم على حد سواء، ويلزم توحيد معنى الرسائل على اختلاف لغاتها، ففي دولة الإمارات لوحدها يوجد أكثر من 200 جنسية.
وقال التقرير أنه رغم التحديات فإن كوفيد-19 أتاح فرصة لإعادة تقييم الأولويات العائلية باسترداد «الأوقات الضائعة» وقضائها مع الأولاد وكبار السن. فالذين كانوا قبل جائحة كوفيد-19 يَنشغلون بهواتفهم أثناء اجتماعاتهم العائلية، سيقدّرون فرصة تمضية «وقت حقيقي» مع أحبابهم.
توجهات مستقبلية
يتوقع التقرير أن سيكون للممرضات ومقدِّمي الرعاية الصحية دور أكبر في الرعاية المنزلية، خصوصاً لغير القادرين على مغادرة منازلهم مثل المسنين والنساء الحوامل. ولهذا يجب العمل على إطلاق مبادرات لتدريبهم على تلك المهمات التي قد تستمر بعد انتهاء الجائحة.
ويرى أيضاً أن الجلسات ومجموعات الدعم على الإنترنت ستواصل نموها بعد انتهاء جائحة كوفيد-19 لأنها تتيح تشكيل مجتمعات جديدة تضم الجميع وتمكِّن الناس من التفاعل بإيجابية دون أن تمنعهم من ذلك مشكلات نقص الأموال أو بعد المسافة.</p>